"ثم يأتيك ما يُهذِب نفسك، يُخبِرك بطريقةِ مباشرة أن تُعيد حساباتك مع ربك، ذاتك، تتفكر فيما خلق، أمرٌ لو عقِلته ولمس أوتار قلبك، تفكرت به لنجوت وانتصرت لدينك"
بالأمس علمت أن إحداهن وبفضل الله عادت تسير مرة أُخرى بعد توقف أرجلها عن السير لمدة دامت سبع سنوات، يا الله! أيُعقل هذا؟! دار بيني وبين ذاتي مِن الحديث أجمله -إذا عقلته فقط-، بالله كيف! نعم الله لا يُعجِزه شيء؛ مَن أدرك يونس في بطن الحوت بعد أن ابتلعه، رزق زكريا بيحيى وامرأته عاقر لا تلِد وقد بلغ مِن الكِبر عِتيًا، أخرج إبراهيم مِن النار لم يمسه سُوء، رزق مريم بغُلامٍ دُون أن يمسسها ذكر قادر أن يُحدِث ذلك في غمضةِ عينٍ وما ذلك عليه بعزيز وهو عليه هين، لكن ما يعجب له العقل هنا ويُصِيب القلب برعشةٍ شديدة، وتدمع له العين وتبكي عظيم البُكاء ويُجبِر المرء أن يقِف مع ذاته وقفةً عظيمةً وقد فاز وربِ الكعبة مَن عقلها وخاب وخسر مَن مرت عليه مرُور الكرام هو صبر الفتاة، قوة تحملها، يقينها بأنه على كل شيء قدير رغم استحالة الأسباب، عجز الطِب والأطباء، ورب الكعبة هنيئًا لها يقينها بأن تِرياق دائها بيد القادر وحده، يعجز الأطباء ويضعف مُلك المُلوكِ ولا يُعجِز مَلِكُ المُلوكِ شيء، المُعضلة هنا فينا نحن يا صحب؛ كيف سنسير على الصِراط ذاته؟! ما عِلة الصلاة الضائعة وقد وقفنا بين يدي ملكِ المُلوك نُسأل: يا عبد الله لِما ضيعت الصلاة وغيرك سلبته نِعمة الحركة وقد كان يقوم الليل لا يفتر وما منعه ابتلائي له ذلك؟! بالله كيف سنطيق أن نُسأل وفوق رؤسِنا الشمس تُحرِقنا: يا عبد الله أتذكر يوم كذا حين خطت أقدامك مكان كذا وعصيتني فيه تِلك المعصية التي تجرأت عليَّ وبارزتنِي بها؟! منعت الحركة والسير عن غيرك وصبر، شكر، لم يمنعه ذاك مِن التذلل والتوسل إليَّ، كان يقوم الليل، لم يُضيع الصلاة، لم يتجرأ عليَّ وبارزني بِما بقي له مِن النِعم بمعصيتي، وعِزتي وجلالتي ما منعته إياها لذنبٍ اقترفه، أو زُهده في شُكري فما زِدناه بِها خيرًا؛ لكنِّي منعتها عنده لحكمةٍ لا يعلمها غيري، أردت له بِها رِفعةً وتكفيرًا للذنب؛ حتى لا أُحاسِبه بِه يوم القيامة بِذنبه، أردت له الخير فكفرت عنه الذنب بعِلةٍ لم يصبِر عليها غيره، ما عِلة عصيانِك؟
"تخيل أنَّ هذا الحديث دار بينك وبين الله يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، تخيل أنَّك غافِل لدرجة أن يُبتلى الجميع أمامك تكفِيرًا للذنب ورِفعةً في الجِنان وأنت كما أنت لا تتفكر في شيء مِن الحِكم أمامك! تخيل أن تكون ابتلاءات مَن حولك حُجةً عليك يوم القيامةِ لا لك؛ فأنت من تماديت في اللهو وغرك حِلم الله عليك وبارزته بالمعصية وكأنه لا يرى شيئًا حاشاه! بالله ألا يُبكِيك مُجرد التخيل أن تقِفا أمام الله يوم القيامة ويكون ابتلاؤه حُجةً له، وأنت تُسأل إلى أين سِرت يا عبد الله بأقدامك؟! ماذا قدمت للإسلام؟!
يحدث أمامنا الكثير، نرى ابتلاءات الآخرين رأيَ العين والكيِس العاقل مَن يتتبع حكمة الله في أقداره ويعقِلها؛ لِتكن حُجةً له لا عليه، ستُسأل عن جوارِحك ماذا قدمت لله بما أعطاك؟
"تذكر دائمًا أنك لم تُخلق عبثًا؛ وإنِّما خُلِقت لِعبادة الله "وما خلقت الجِن والإنس إلا ليعبُدون" ستكون حُجة إما لك أو عليك، عملك يُقرِر هذا، كل ما في الحياة دُون عبادةِ الله ما هو إلا أسباب، مُعطيات؛ لِنُواصل بِها المسير إلى الهدف الأسمى والأعظم لِمن عقِل ذلك، لِمَن عمِل ليوم يقِف على رُؤوس الخلائق ويسأله ربُ البرياتِ: ماذا قدمت في دُنياك وماذا أخرت؟
تعليقات
إرسال تعليق